¤ الســــؤال:
عندما كنتُ في السَّنة الأخيرةِ من الجامعة، عرض عليَّ أهلي أن يُزوِّجوني، فوافقتُ، ولَم أكن حينَها منشغِلاً بهذا الأمر كثيرًا، وبعد فترةٍ قليلة، أرسلوا إلَيَّ بأنَّهم قد خطبوا لي، حيث إنني كنتُ أدرس في مدينةٍ بعيدة عن بلدي، وأرسلوا لي صورة المخطوبة حسب الطَّريقة التقليديَّة المتَّبَعة في بلادنا، نظرتُ إلى الصُّورة مرارًا وتكرارًا، لكنِّي لَم أجِدْ مَيلاً إلى صاحبة الصُّورة، هي جميلة، وفي نفس سنِّي، لكن لم ينشرح صدري لها.
مرَّت الأيام، وتَم الزواج، عندما رأيتُها للوَهْلة الأُولَى، لَم أُعجَب بها أبدًا، رغم جمالِها، وعندما اقتربتُ منها في شهر العسل، وجدت أنَّها عصبيَّة، وثرثارة، وليست وَدُودًا، والأكبر من ذلك أنَّ عندها برودًا جنسيًّا، مِمَّا جعل شهر العسل أسوأ أيَّام حياتي.
مرت الأيَّام والسنون، وحاولت أن أُحِبَّها، لكن دون جدوى، قلبي لا يَقْبلها، وشخصيَّتُها لَم تُساعِدْني على ذلك، فهي دائمًا مغضبَة، ودائمًا تصرخ، وإذا غضِبَتْ من شيء فإنَّها لا تعود لطبيعتها إلاَّ بصعوبة، وقد يصل بها الأمر ألاَّ تُكلِّمني لأيَّام، حتَّى إنَّني أشعر بضيقٍ شديد من دخول البيت، وإذا أغضبَتْنِي في شيءٍ فإنَّها لا تُحاول إرضائي.
تحمَّلتُها، وصبرت عليها، واحتسبتُ الأجر، لكن أكثر ما كان يتعبني هو مُعاشرتها، فهو أسوأ الأوقات التي أمرُّ بها، حتَّى إنني كنت أفرحُ كثيرًا عندما تأتيها الدَّورة الشهريَّة! لَم أكن آتيها إلا لأُعِفَّها، وحيث إنَّني لا أرغب فيها فإنني لا أجد حتى الرغبة الجنسيَّة في معاشرتها، مما يدفعني أحيانًا إلى مشاهدة مناظر خليعة قبيل الجماع دون عِلمها حتى أستثير نفسي لأداء واجبي نحوها! ومع ذلك فهي لا تشبعني، مما يدفعني أحيانًا كثيرة إلى ممارسة العادة السريَّة، تخفيفًا لشهوتي على الأقل!
لَم تكن سندًا لي في حياتي، فهي سعيدة عندما نكون في أيَّام رخاء، وتعيسةٌ عندما تمرُّ بنا ضائقة، لا تلتمس لي العذر إن قصَّرتُ، ولا تُراضيني إن غضبْتُ، ولا أجد ترحيبًا منها إن دخلتُ البيت، لا أحدِّثُها كثيرًا، لأنني لا أجد معها انسجامًا ولا أسلوبًا جيِّدًا للنِّقاش، استمَرَّ معي هذا الأمر طويلاً، وكلَّما حاولتُ أن أتصنَّع الحب لها- لعلَّ ذلك يجعلني أحبُّها- أجدها تهدم ذلك بِخُلقها، حتى وصلتُ معها إلى درجة الكراهية، فأنا الآن أكرهها! كل ذلك وهي لا تدري عن الأمر شيئًا، بل تظنني أحبُّها، وسعيدًا معها!
أهلها يدركون مساوئها، وكانوا متعجِّبين من علاقتي بها، حتَّى إنَّ أحد إخوتِها مرَّة قال لي: كيف روَّضتَها؟!.
هي ربة بيت ممتازة، نشيطة ونظيفة، وطباخة ماهرة، ولم تُقصِّر في واجباتها معي، وإذا أردتُ أن أصفها فهي ربَّة بيت، لا زوجة، أنجَبْت منها أولادًا، ولم أشعر تُجاهَهم بحب كبير، لكن في الأخير هم أولادي.
ورغم أنه مر على زوجنا ما يقارب عقدين، وقد جاوزت الأربعين، فقد عانيت كثيرًا من هذا الأمر منذ اليوم الأوَّل لزواجنا، ولولا حِفظ الله لكنتُ قد إنحرفت، وأخيرًا جلست مع نفسي لأجد حلاًّ لهذا الأمر، فلم أجد أمامي إلاَّ خيارين، إمَّا أن أصبر عليها حتَّى أموت أو تموت، أو أتزوج عليها، فإخترتُ الثاني، أي: الزواج عليها.
في البداية لَمَّحت لها بالزواج، فولولت، فتركتُها مدة من الزمن، ثم أخبرتُها بأنني جادٌّ فغضبَتْ، وصرخَت، وهدَّدت بأنَّها ستقتُلني وتقتل الزَّوجة الجديدة، فهدَّأتُها دون جدوى، وفي اليوم الثاني، انقلبَ التهديد إلى توسُّلات وبكاء، تطلب منِّي عدمَ الزواج، وأنَّها ستفعل أيَّ شيء لأجْلي، لكنِّي لَم أُغيِّر رأيي.
أصبحَتْ الآن كئيبةً، وتبكي دائمًا، وقالت: إنه إذا تزوَّجت عليها فإنَّها ستموت، أنا في حيرةٍ من أمري، أحتاج إلى الزواج، وخائفٌ على زوجتي، ولا أدري كيف أتصرَّف.
فأرجو إرشادي لما ترَوْنه مناسِبًا، وجزاكم الله خيرًا.
* الجــــواب:
أخشى أنَّك السبب فيما وصلتَ إليه من حيثُ لا تدري!
فأنت لم تتقبَّلْها من البداية، ولَم تُخبِر أهلك بذلك، وهنا بدأت المشكلة الحقيقيَّة، ربَّما كانت لدَيْك صورةٌ -ككلِّ شاب في عمر الزواج- لِمَن سترتبط بها، وقد خالفَتْ توقُّعاتك منذ رأيتَ صورتها، لكن ذلك لا يعني إستحالة الحياة بينكما.
ما قمتَ به خلال هذه السنوات: أنَّك دفنتَ مشاعرك داخلك، وتجاهلتَها، وحاولت التَّمثيل أمام زوجتك والمجتمع، لكن الحقيقة أنَّ للمشاعر وسيلةً بالإنتقال، لا تحتاج إلى تعبير مباشر، ومهما تظاهرتَ بعكسها، لكن الحقائق تصل، ولو لَم يدركها مُستقبِلها، لكنَّه تدفعه للتوتُّر دون أن يدرك السبب، وهذا -على الأغلب- ما حصل مع زوجتك، حيث توتَّرَت من مشاعرك التي تصلها، وتحيُّرها أمام مواقفك، فلا تتمكَّن من تحديد موقفها، وذلك لا يَنفي أنَّ لَها طبْعَها أيضًا الذي يجعلها أكثر عرضة لذلك عن غيرها.
أمَّا عن فكرة البُرود، فحقيقةً لا توجد امرأةٌ باردة، لكن قد تكون هناك رَواسِبُ أوصلَتْها لهذه النتيجة، أو أسلوبٌ معيَّن أبعدَها، كان من الأجدى أن تبحث معها عن حلول هذه المشكلة، فهي تَخصُّكما معًا، وتستدعي أن تبحثا عن حلولٍ لَها، وكيف تكونان أفضل معًا.
من الصعب أن تبني بيتًا على خراب بيت، وخاصَّة أنَّ لديك أبناءً الآن، أنصَحُك بالتروِّي، وببناء علاقة عاطفيَّة أقوى مع أسرتك، غريبة مشاعرك تجاه أطفالك أيضًا!
أنتَ بحاجةٍ إلى أنْ تفرِّغ مشاعرك التي أوصلَتْك إلى النُّفور منها، فمن الواضح أنَّك مررتَ معها بمواقف أثَّرت فيك كثيرًا، ودفنتَها داخلك، حاوِلْ أن تفرِّغها كلها، وتوصلها إليها بحِكْمة، فمِن أخطَرِ ما يؤثِّر بالعلاقات، وبالشخص نفسه: أن يَكْبت داخله إنفعالاتِه تجاه الطَّرف الآخر، ولا يُشعره بها!
يبدو أنَّ لدَيْكَ طبعًا من المُسايرة مع مَن حولِك، يُتعبك آخِرَ المَطاف، وهو ما قمتَ به مع أهلك بدايةً حينما خطبوا لك، وبعد ذلك مع زوجتك، فلم توضح لها ما يُضايقك، وتحمَّلتَها دون أن تُظهِر لها ذلك، أنت بحاجةٍ إلى أن تغيِّر هذا الطبع، فهو الذي أوصلك لهذه النتيجة من المعاناة والحيرة في أمرك!
لكن انتبه: تَغْييره لا يَعني أن تنتقل للضفَّة الأخرى، لكن في نفس الوقت يُمكنك أن تعبِّر عمَّا تحتاجه، وتوضحه أكثر لمن أمامَك.
أنصحك بدايةً ألاَّ تحصر سعادتك على زوجتك فحَسْب، ولا تتوقَّع أن تكون هي سبب سعادتك، فأيًّا كان الطَّرَف الآخر، فليس هو المسؤولَ عن إسعادك، لكن يمكنك إسعادُ نفسك، والبحث عمَّا يجعلك تعيش في وضعٍ أفضل.
ألَم تفكِّر في زوجتك التي إرتبطَتْ بك منذ زمن بعيد، ولم تكن تدري شيئًا عن نُفورك هذا، ولَم يكن لها الذَّنب الأكبر، خاصَّة أنَّك خِلال كلِّ المدة الماضية لَم تُشعِرها بِمَشاعرك الحقيقيَّة، فسيكون مفاجِئًا لها تَمامًا موقفك الآن، وكان من الأجدى أن تبحث معها عن طرُقٍ لتتغلَّب على مشاعرك معها دون أن تَجْرحها.
وكذلك أولادك الذين يَصْعب عليك محبَّتُهم كأيِّ أب، الموضوع أعمَقُ من مجرَّد عدم تقبُّلٍ عادي، فالمرء يحبُّ أبناءه عادةً، ويرتبط بهم، وأنت تحتاج إلى أن تقوِّي صِلتَك بِهم، فهم بحاجةٍ إلى الأب الحنون والصَّديق.
حاول أن تُفكِّر بطريقةٍ أخرى، وتبحث عن مَخارج تُدخِل السعادة إلى قلبك، وقلبِ أسرتك، وتتجاوز بها التَّراكمات وأثرها السلبِي!
بحال بذلتَ كلَّ جهودك، وفَشِلْت في تقبُّلِها، فهذا مما لا تَمْلكه إذًا، ويعذِرك الله عليه، لكن فقط فكِّر كيف تحافظ على أسرتك من الدَّمار، وأنه ليست كلُّ البيوت تُبنَى على الحب.
وبحال كان اختيارُكَ للزَّواج بِأُخرى، فإصبِرْ عليها قليلاً، حتَّى تتقبَّل الفكرة، وضَعْ في بالِك أنَّ الأمر لن يكون سهلاً، وستَزِيد المُشكِلات بين البيتَيْن، فالأمر يحتاج منك إلى حكمةٍ وعدل، ونفَسٍ طويل، فلا تدخله إلاَّ وأنت واثقٌ مِن قدرتك على خوضِه، وراعِ أعرافَ بيئتك بِهذه الأمور، فإن كنتَ من بيئةٍ تَرفض هذا الأمرَ، فستَكون الخُطوة أشدَّ صعوبة ومشقَّة في نَجاحها، أمَّا إن كان شائعًا، فسيَسهُل عليك تجاوُز الأمر، لو صبَرْت قليلاً على زوجك وعوَّضتَها، لكنْ تذكَّرْ أنَّ عليك العدل، وإنَّه لأمرٌ عظيم عند الله.
وإن فعلتَ، فجاهِدْ على أن تُحافظ على البيتَيْن، وألاَّ يضُرَّ أحدهما بالآخَر، وألاَّ يتأثَّر أولادُك بهذا القرار سلبًا، ولا تنس أن تستخير قبل خطوةٍ تُغيِّر بها مسار حياتك لهذه الدرجة!
وفَّقك الله، ويسَّرَ لك الخير حيث كان.
الكاتب: أ. أريج الطباع.
المصدر: موقع الآلوكة.